ت + ت - الحجم الطبيعي

«الأوراق المتساقطة»، عنوان الفيلم الفنلندي الذي فاز العام الماضي 2023 بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي).

فيلم إنساني خالص، بطله الواقع الاجتماعي الذي يتحرك فيه أناس المدينة الذين لا يلتفت إليهم أحد، وتحديداً في عواصم الدول التي يحلو لنا دائماً أن نصفها بالمتقدمة والمتطورة والمتحضرة.

لا أدري فيما إذا كنا نغض الطرف عن الوجه الآخر الأشد عتمة للمدن البراقة، أم أن وعينا بالحقيقة منقوص لسبب ما، لذلك فأذهاننا لا تستحضر غالباً المعنى الإنساني والحقيقي للحضارة، حيث الحضارة مزيج ضخم يتأسس عبر أزمنة طويلة على كاهل البشر الذين يحفرون في صخر الواقع ليقيموا بنيان مدن ودول وما يحيط بها.

في فيلم «الأوراق المتساقطة» فان هلسنكي، عاصمة فنلندا، كباريس ونيويورك وبرلين...، مدينة رأسمالية متطورة، يسعى لها الجميع للاستمتاع بمظاهر الجمال ورغد العيش، بينما الحقيقة هي أن هناك وجهاً آخر لهذه المدينة يكمن في مواقع العمل والبيوت المغلقة على أصحابها، والتي تشهد المعنى الحقيقي للطريقة التي تفترس بها المدينة أبناءها البسطاء أو المهمشين، الذين ترتبط حياتهم عضوياً، وبكل معنى الكلمة، بالعمل والمصنع وباقي أدوات الإنتاج.

وفي ظل خيلاء الاعتقاد بأننا نطبق معايير الأخلاق والقانون يمكن لهذه المدينة أن تلقي بأناس بسطاء إلى الشارع، بلا عمل وبلا أي مصدر للدخل، ما يعني عدم قدرتهم على دفع فاتورة الكهرباء، وبالتالي إغلاق التلفاز وعدم استخدام الميكرويف. وفي النهاية، إغلاق لوحة تشغيل الكهرباء نهائياً، كما فعلت بطلة الفيلم (أنسا)، التي اكتفت بالإنصات للراديو لمعرفة آخر تطورات أخبار الحرب الروسية الأوكرانية.

لماذا وصلت (أنسا) لهذه الحالة البائسة؟ لأنها أخذت شطيرة منتهية الصلاحية سترمى في سلة القمامة لاحقاً بلا إذن، فاعتبرت سارقة وطردت، أما البطل (هولابا) فيقصى من عمله بسبب إصابته في العمل نفسه، وعليه يفقد عمله وأمانه هو الآخر، ثم يحدث أن يلتقيا وحيدين يعانيان فقدان الأمل ويبحثان عن الحب وشريك ينعش رغبة التمسك بالحياة، فهل يصلح أحدهما لتقديم هذا المخرج للآخر، وهما أشبه بأوراق خريف تتساقط على أسفلت شوارع مدينة متقدمة وميتة القلب؟