خطر العدوى الفكرية في الأزمات - نايل 360

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطر العدوى الفكرية في الأزمات - نايل 360, اليوم الجمعة 10 مايو 2024 02:09 صباحاً

المصدر:

التاريخ: 10 مايو 2024

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الأمراض الفتاكة والأوبئة المعدية المستعصية التي تهدد المجتمعات الأمراض الفكرية التي تغتال العقول، وتحرف بوصلة الإنسان عن الاتجاه الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه، وخاصة إذا كان ضعيف المناعة والتحصين، فيتلوث فكره، وتختل تصوراته ومفاهيمه، وتتبدل سلوكياته ومواقفه تجاه وطنه وقيادته ومؤسساته، وبالأخص في وقتنا المعاصر الذي يتميز بقوة وانتشار أدوات التأثير المتاحة بين أيدي الجميع والتي تحمل في طياتها في كثير من الأحيان هذه الفيروسات الفتاكة من خلال الحسابات المشبوهة والأقلام المأجورة والمواقع الموجهة.

وفي أوقات الأزمات تحديداً تزداد وطأة هذه الشبهات وانتشار الأوبئة الفكرية، لأنها تلامس في مثل هذه الأوقات مشاعر متزايدة من القلق والخوف والغضب والسخط وربما غير ذلك من المشاعر بحسب طبيعة الأزمات الحادثة، وقد يصادف ذلك انعدام المناعة الفكرية لدى المتلقي من الأساس أو إصابتها بالضعف والوهن نتيجة التأثر بهذه المشاعر الملتهبة دون إدارة صحيحة لها، ما يجعل صاحبه معرضاً لالتقاط الأمراض الفكرية، وقد ينشرها هو بدوره لغيره، لشدة تأثره بالقناعات السلبية التي ترسخت لديه.

ولا شك بأن التيارات المنحرفة تسعى لاستغلال مثل هذه الظروف أسوأ استغلال للتمدد والاستقطاب وتنفيذ مخططاتها، وتستخدم في ذلك استراتيجيات عديدة وسياسات كثيرة، منها سياسة التشويه والتلميع، وذلك من خلال تشويه صورة الدول، ونشر الإشاعات عنها، وردم مواقفها الإيجابية في التراب وكأنها لم تكن، وإلصاق الأكاذيب والمفتريات بها، لكسر ثقة المواطن بوطنه، ونزع ثقته بقيادته، وكسر روح الولاء لديه، وتنمية مشاعر الغضب والحنق والسخط في نفسه، وفي المقابل تعمل على تلميع صورة التيارات المنحرفة والجهات التي تدعمها، وبث القناعات بتصويب مواقفها، ونسبة البطولات الزائفة إليها، لكسب المؤيدين والمتعاطفين معها، ومثل هذه السياسة أعني سياسة التشويه والتلميع سياسة متكررة تنتهجها هذه التيارات باستمرار، وخاصة في الأزمات والصراعات، للتأثير على الناس وخداعهم.

ومن هنا تتجلى ضرورة التأكيد على القيم التي تحصن الإنسان من هذه السياسات الماكرة والأوبئة الفكرية الفتاكة، ومن أهمها تعزيز طاعة الحاكم والانتماء للوطن والولاء للقيادة والتمسك بنهجها الحكيم في معالجة الأزمات والقضايا، والإيمان بأن هذا المبدأ مبدأ راسخ مستدام في أوقات الشدة والرخاء، وأنه يجب الالتزام به في مختلف الظروف والأحوال، كما أمرنا بذلك الشرع الحنيف، وكما تقتضيه قيم المواطنة الصالحة، وينبغي أن يحظى تعزيز مثل هذه القيم في أوقات الأزمات باهتمام كبير من المعنيين بالتوعية والتحصين، من العلماء وأصحاب الأقلام والمثقفين والمفكرين وغيرهم، فتنكسر بذلك تلك الحملات المشوهة المحرضة على صخور الوعي والتوعية والتحصين.

والعدوى الفكرية في الحقيقة ليست بأقل خطورة من الأوبئة الجسدية، ففي كلتا الحالتين يحتاج الإنسان إلى اتباع تدابير السلامة التي تقيه من شر هذه الأوبئة، حتى لا يصاب بها من قريب أو بعيد، ومن إجراءات السلامة تجاه ذلك عدم الانسياق لأي إشاعات كاذبة أو معلومات مضللة أو أي أقاويل تضعف ثقة الإنسان بحكومته وتجعله يتأثر بسياسة التشويه والتلميع التي سبق ذكرها، وإذا كنا نتحدث عن الأوبئة عموماً فقد رأينا أثر مثل هذه السياسات التي ينتجها بعض الأفراد أو الجهات في أزمة كورونا، فكم تفشت فيها من إشاعات وانتشرت من معلومات مضللة ومن محاولات لإضعاف الثقة بالإجراءات التي اتخذتها الحكومات، حتى وقع ضحية هذا الاستقطاب من وقع، فتجاهلوا التدابير الوقائية، وفقدوا الثقة بحكوماتهم ومؤسساتهم الصحية، فنهشهم الوباء من حيث لم يحتسبوا، ووقع بعضهم صرعى نتيجة ذلك، وهكذا هو الحال في مختلف الأزمات على اختلاف طبيعتها، فحينما يلقي الإنسان أذنه للمشككين والجهلة والمغرضين يصبح معرضاً للإصابة بالأوبئة الفكرية، والتي قد تفتك به وتلقيه صريعاً.

إن الأزمات والتحديات لها طبيعتها الخاصة، فهي تتطلب من الإنسان أن يكون على درجة عالية من الوعي واليقظة والانتباه، ففي الأزمات تتجلى أهمية التفكير النقدي، وغربلة المعلومات، وتقييم مصداقيتها، والاعتماد على الصحيح دون الزائف، وعلى المصدر الموثوق لا المشبوه، وحسن إدارة للمشاعر والعواطف، وقبل ذلك وبعده الوقوف على أرضية صلبة قائمة على القيم الوطنية الراسخة، ومن خلال ذلك يحمي الإنسان نفسه وأسرته، ويتحلى بثقافة إيجابية واعية، وتدوم للمجتمعات تماسكها وتكاتفها واستقرارها.

 

Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق